الخميس، 6 سبتمبر 2012

باب تحريم الرياء

باب تحريم الرياء
من كتاب رياض الصالحين
قَالَ الله تَعَالَى : ] وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [
[ البينة : 5 ] ،
وقال تَعَالَى : ] لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذَى كالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [
[ البقرة : 264 ] ،
وقال تَعَالَى : ] يُرَاءونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً [ [ النساء : 142 ] .
وقال تَعَالَى : ] فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) [ [ الماعون : 4-7 ] .
1616- وعن أَبي هريرة t قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله r يقولُ :
(( قَالَ الله تَعَالَى : أنَا أغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ )) . رواه مسلم .
1617- وعنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله r يقول :
(( إنَّ أَولَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ ، فَأُتِيَ بِهِ ، فَعَرَّفَهُ نِعْمَتَهُ ، فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ . قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ : جَرِيءٌ ! فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ وَعَلَّمَهُ ، وَقَرَأَ القُرآنَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا . قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلَّمْتُ العِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ ، وَقَرَأتُ فِيكَ القُرآنَ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ لِيُقَالَ : عَالِمٌ ! وَقَرَأتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ : هُوَ قَارِئٌ ؛ فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ . وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ ، وَأعْطاهُ مِنْ أصْنَافِ المَالِ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ ، فَعَرَفَهَا . قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ : كَذَبْتَ ، ولكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ : جَوَادٌ ! فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ )) . رواه مسلم .
(( جَرِيءٌ )) بفتح الجيم وكسر الراء والمد : أيْ شُجَاعٌ حَاذِقٌ .
1618- وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن نَاساً قَالُوا لَهُ : إنَّا نَدْخُلُ عَلَى سَلاَطِيننَا فَنَقُولُ لَهُمْ بِخِلاَفِ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِندِْهِمْ ؟ قَالَ ابنُ عُمَرَ
رضي الله عنهما : كُنَّا نَعُدُّ هَذَا نِفاقاً عَلَى عَهْدِ رسول الله
r . رواه البخاري .
1619- وعن جُندب بن عبد اللهِ بن سفيان t قَالَ : قَالَ النبيُّ r :
(( مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ الله بِهِ ، وَمَنْ يُرائِي يُرائِي اللهُ بِهِ )) . متفق عَلَيْهِ .
ورواه مسلم أَيضاً من رواية ابن عباس رضي الله عنهما .
(( سَمَّعَ )) بتشديد الميم ، ومعناه : أظهر عمله للناس رِياءً . (( سَمَّعَ اللهُ بِهِ )) أيْ : فَضَحَهُ يَومَ القِيَامَةِ . ومعنى : (( مَنْ رَاءى )) أيْ : مَنْ أظْهَرَ لِلنَّاسِ العَمَلَ الصَّالِحَ لِيَعْظُمَ عِنْدَهُمْ . (( رَاءى اللهُ بِهِ )) أيْ : أظْهَرَ سَرِيرَتَهُ عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ .
1620- وعن أَبي هريرة t ، قَالَ : قَالَ رسول الله r :
(( مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ U لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا ، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ )) يَعْنِي : رِيحَهَا .
رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ والأحاديث في الباب كثيرةٌ مشهورةٌ .
باب مَا يتوهم أنَّه رياء وليس هُوَ رياء
1621- وعن أَبي ذرٍ t قَالَ : قِيلَ لِرسولِ الله r : أرَأيْتَ الرَّجُلَ الَّذِي يَعْمَلُ العَمَلَ مِنَ الخَيْرِ ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : (( تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ )) ([1]) . رواه مسلم .
**********************************************************************
طرق التخلص من الرياء
1. استحضار مراقبة الله تعالى للعبد
وهي منزلة " الإحسان " التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل ،وهي : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك " رواه مسلم
فمن استشعر رقابة الله له في أعماله يهون في نظره كل أحد ، ويوجب له ذلك
التعظيم والمهابة لله تعالى .
2. الاستعانة بالله تعالى على التخلص من الرياء
قال الله تعالى عن المؤمنين : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة :5)
ومن الأشياء التي تنفع في هذا الباب الاستعانة بالله في دعائه ، قال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل فقال له من شاء الله أن يقول : وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟
قال : قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم "
رواه أحمد (4/403) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (3731)
3. إخفاء العبادة وعدم إظهارها
وكلما ابتعد الإنسان عن مواطن إظهار العبادة كلما سَلِم عمله من الرياء ، ومن قصد مواطن اجتماع الناس حرص الشيطان عليه أن يظهر العبادة لأجل أن يمدحوه ويُثنوا عليه .
والعبادة التي ينبغي إخفاؤها هنا هي ما لا يجب أو يُسنُّ الجهر به كقيام الليل والصدقة وما أشبههما ،وليس المقصود الأذان وصلاة الجماعة وما أشبههما مما لا يُمكن ولا يُشرع إخفاؤه .
4. النظر في عقوبة الرياء الدنيوية
وكما أن للرياء عقوبة أخروية ، فكذلك له عقوبة دنيوية وهي أن يفضحه الله تعالى ، ويظهر للناس قصده السيّئ ، وهو أحد الأقوال في تفسير قوله : " من سمَّع ، سمَّع الله به ، ومَن راءى ، راءى الله به"
رواه البخاري ( 6134 ) ومسلم (2986 )
قال ابن حجر : قال الخطابي معناه :من عمل عملا على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه .
وقيل :من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثا سيئا عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة .أ.هـ " فتح الباري " ( 11 / 336 )
5. معرفة آثار الرياء وأحكامه الأخروية
حيث أن الجهل بذلك يؤدي إلى الوقوع أو التمادي فيه ، فليعلم أن الرياء مُحبط للأعمال ، وموجب لسخط الله ، والعاقل لا يتعب نفسه بأعمال لا يكون له أجر عليها ، فكيف إذا كانت توجب سخط الله وغضبه .
*********************************************************************
نسأل الله الإخلاص في القول والعمل وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق