السبت، 14 يوليو 2012

لماذا نعيش على البركة ؟

لأننا على الأرض ضيوف إلى حين .. ولأننا نحب الفرحة والاستبشار ونكره الأنين .. نحاول الإبحار بين أطراف الليل و أناء النهار في ملكوت الحليم الغفار .. حيث تكمن في النفس تساؤلات كثيرة لا يمكن لأحد أن ينكرها أو يتجاهلها مهما كان .. وفي كل زمان ومكان يطرح ذلك السؤال الفيصل الدقيق وجوابه كما نريد كذلك واضح المعالم وبيّن الملامح وصادق المحيا وجميل الإطلالة لا تضليل فيه ولا أقنعة .

سؤالنا المركزي هذا اليوم
لماذا نعيش على البركة في أغلب الأشياء؟
ربما يكره البعض النظام والالتزام والانضباط ولا يحبذ إلا أن يعيش بعشوائية في اصغر الأمر وأكبره !!

وفي الجانب الآخر النمل والنحل مدرستان في النظام وهما كائننا لا يقارنان بالإنسان صاحب العقل المعجز والروح التواقة والقلب النابض بالحياة ولكن أين الخلل ؟

ومع إطلالة إجازة صيفة هي فرصة كبيرة لأصحاب الأرواح العظيمة والأنفس التواقة للجمع بين الاستفادة والراحة وهي ذاتها فرصة لأصحاب الهمم الخائرة والأنفس المهزومة للاستزادة من الراحة والنوم بلا حد أو عدد , فهم مجهدون جدا من تراكم الراحة والهروب من العمل والانجاز والتبرير عن الفشل الذي تلى الفشل والإسقاطات التي لا تنتهي عن ذلك السقوط والانهيار في عالم لا يعترف إلا بالواحد الصحيح ولا يلقي بالاً للأجزاء أوالهوامش أوالاصفار مع الأسف الشديد !!

من ارض الواقع إن أردنا أن نعطي إنسان ما موعداً فهو مفتوح بلا حد فنقول بعد العصر أو بعد العشاء ولا نحب تحديد ساعة بعينها وان كان بالأيام نحب أن نقول خلال الأسابيع القادمة وان كان بمشروع فالافتتاح قريبا وهي التي تمتد بنا لسنوات وان صرح المسئول فيقول الموضوع تحت الدراسة ويكون الحل بعد عقود وان حلت مشكلة ما شكلنا لها لجنة تجتمع لعدة أشهر وربما سنوات ولا نركز على المخرجات بل على الإعلام وصورنا التي يبثها كل صباح , وعلى الضفة الأخرى عندما انطلق نظام ساهر المروري وقامت القيامة لمن تعودوا على الفوضى وعانوا من حساسية من النظام وعليه أعلنوا الحرب العالمية الثالثة عليه وامتلأت المواقع وخزائن البريد الالكتروني بطرق التحايل عليه بكل أسف رغم أن خسائرنا من حوادث المرور أو إرهاب الطرق وفوضى الشوارع حوالي 20 قتيل يومياً بكل أسف وهي الأعلى في العالم !!

إنها ثقافة شعبية خطيرة جدا تحارب النظام والانتظام والجودة والالتزام وتشرع للفوضى والضياع تسللت إلى المؤسسات والهيئات والشركات والوزارات والجامعات وأصبح التخطيط الاستراتيجي و الرؤيا المحددة و الهدف الواضح والنظام الدقيق والجودة في المخرجات والشفافية في القرارات من أصعب الأمور علينا , ونحن من أمُرنا بالإتقان والإجادة والانجاز والتفاني والإخلاص بكل صوره فأين الخلل ؟

قال صلى الله عليه وسلم " من عمل منكم عملاً فليتقنه "
" إنه ولا شك خلل في طريقة التفكير "

يحب بعضنا أن تسير حياته في بعض الأحيان على البركة أو بالأحرى يسيرها لنا الآخرون فما لم يحصل اليوم سوف يحصل خلال الخمس سنوات القادمة بكل تأكيد وما يواجهنا من تحديات سوف تحلها الحلول الشخصية والارتجالية والاعتباطية البعيدة عن الأسلوب العلمي والمنهج الفكري الرصين والشورى التي ذكرها الله في قرأنه الكريم بأفضل الصور وأجمل المقامات , وفي الجانب الآخر هناك الدور الهام للخطط والاستراتيجيات التي قامت عليها أعظم نجاحات الدنيا وأسمى ابد عات التاريخ , نريد النجاح على كل الصعد ولكن نخشى الاستشارة رغم أنها حضارة وهو سلوك محمدي رائع يجب أن نسقطه على واقعنا المعاصر ونتخلى عن إيماننا بأننا نفهم في كل شئ وأي شئ .

نريد أن نتقدم ونحب أن نتطور ونتوق إلى النهضة وهذا جميل و حسن ولكن ذلك كله يحتاج إلى عمل وجهد وصبر وثبات وعقيدة راسخة وقيم ايجابية ومنطلقات خّلاقة وأفق رحب لا يضيق , ننتقل معه نحن وأهلينا ومجتمعاتنا ومؤسساتنا وشركاتنا ومشاريعنا وأوطاننا , واقعنا وأماكن علمنا وعملنا من الفوضى إلى النظام والفردية إلى الكلية ومن الأنانية إلى العمل الجماعي ومن التنافر إلى التكامل ومن التخبط إلى التخطيط ومن المزاجية في القرار إلى التعقل والحكمة وبعد النظر ومن الهروب من النقد والتحسس منه إلى طلبه والسعي وراء التصحيح والتطوير مهما كلف الأمر .

ألا تستحق حياتنا أن تكون منظمة ذات معالم واضحة ومرسومة بلا تخبط أو اجتهادات تضيع العمر والعمل , ألا تستحق بيئات أعمالنا أو بيوتنا أن يكون لها سقف وأرضية وأن نعطي كل عمل حقة من الوقت والجهد والتفكير بدل أن تسيطر علينا ثقافة العيش بلا هدف والإنتاج على أي حال والبقاء للأقرب وليس للأكفاء و المجاملات السلبية التي لا حدود لها على حساب المصالح الكبرى والأهداف الرئيسية للحياة الإنسانية !!

ولأننا نتوق إلى التطوير والتقدم ونلحظ ذلك ولله الحمد في الكثير من المجالات وعلى مختلف الأصعدة وهذا مما يسر ويفرح .

اذكر هنا بعض المشاهدات الرائعة من المجتمع الياباني الرائد في النشاط والدقة واستغلال الوقت واستثماره والانضباط الحياتي الملفت للنظر حيث انه من العادات الرائعة هناك تقدير فرصة الحياة بشكل نموذجي حيث تجد 3 أشخاص يتشاركون في العمل على سيارة أجرة والهدف من ذلك هو الاستفادة الكبرى من هذه الثروة .
حيث يعمل كل واحد منهم 8 ساعات عليها وهذه هي طاقته ثم ينوبه عليها الشريك الآخر وثم الثالث وهنا تكمن الاستفادة الكبرى من الفرصة والاستثمار الأمثل والذكي للوقت وتقديره كما ينبغي وكل ذلك يجرى بنظام وتنسيق عالي حيث تعمل السيارة 24 ساعة في اليوم والليلة .

من المألوف أن تجد اليابانيين يقرؤون في الشوارع وهم سائرون من عملهم إلى بيتوهم لأيمانهم بأنه لا يوجد وقت يهدر أو جهد يقتل إطلاقا ولا مكان للاستهتار واللامبالاة ناهيك أنهم من اقل شعوب الأرض أخذاً للإجازات أو تغيباً عن العمل بل أن العمل والإبداع فيه مقدسان هناك إلى ابعد الدرجات لإيمانهم باليابان كوطن وحضارة وتاريخ وانضباطهم فيه ومن خلاله وحبهم للنظام والالتزام والعمل الجاد والتفوق في كل المجالات وتقدير قيمة الحياة .

ومن الطرائف في هذا الباب أن احد الشركات حققت أرباح كبيرة فصرف لموظفيها مكافأة وإجازة يوم فقام الموظفون بمظاهرات حاشده طلباً لإلغاء هذه الإجازة والاكتفاء بالمكافأة .

إنهم رغم صغر دولتهم إلا أنهم أصحاب ثاني أقوى اقتصاد في العالم والقوة التي لا تقهر في الصناعة والتجارة والتكنولوجيا ولم يأتي هذا من فراغ أو حظاً عابرا كما يؤمن أهل الأحلام التي لا تتحقق , فهم لا يملكون موارد طبيعية إطلاقا باستثناء الصيد ولكنهم قرروا الاستثمار في الإنسان وجعله هو المورد الأهم والأبرز في كوكب الأرض بلا منازع ونجحوا في ذلك بكل تفوق .

إنها كفاءة مميزة ونتاج دقيق وحماس متوقد ونظام ملهم وخطط مرسومة ورؤيا طموحة و شفافية كبيرة وجهد عظيم وتحفيز لا ينتهي وإيمان وعقيدة عملية لا تكل ولا تمل وقبل كل شئ بالإيمان بأن الإنسان هو المورد الأهم و الأبرز على هذا الكوكب وعليه كان الاستثمار في تنميته وتطويره كبيرا جدا وكل ذلك أتى بأكله كما نرى .

إنها طريقة التفكير الايجابية والخلاقة التي تصنع الثراء والمجد والعزة وتضعنا على القمة دائما فهل ننفض غبار الروتين والحياة العادية المملة ونقبل على الإبداع والتجديد والتطور الدائم وهل نتخلص من طرق التفكير السلبية التي زرعت فينا الهزيمة والإحباط والقلق والتوتر
وقلة الثقة في النفس وإدمان الشكوى والخوف من العمل والاستسلام لتحديات الحياة .

هل نعاهد أنفسنا على التخلص من الدكتاتورية في الرأي والعشوائية في القرار والتخبط في التنفيذ والمزاجية في الممارسة وتزكية النفس واتهام الآخرين والحساسية من النقد والآراء المخالفة.

هل نعاهد الله أولا وأخير على أن ندينه سبحانه في القول العمل بعيد عن هوى يحكمنا أوشيطان يسيرنا أو مصلحة ضيقة تسيطر علينا !!

أنها الحياة التي هي منحة الوهاب سبحانه فهل نعيشها كما اتفق وحيثما كان في استهتار
ولامبالاة, أم أن أنها تكون ساحة لعملنا القيم وطرحنا الرائع والتزامنا الكامل وإنتاجنا النير وصنيعنا المشّرف وبصماتنا الخالدة .

دعونا نعيش حياة جديدة جميلة براقة مشرقه مشعة , خالية من الملل والرتابة والسطحية , فيها الإقبال والإقدام والشجاعة والالتزام والانجاز والإعجاز ولنقدر قيمة الحياة وفرصة العيش ونعمة العقل والدين والصحة ولنعلم أنها فرصة لن تتكرر مرة أخرى فأعطي كل ما عندك الآن وابذل كل ما بوسعك بلا تردد أو كسل , فلا ليت تنفع ولا لعل تفيد ولا يمكن ليوم غابت شمسه أن تشرق من جديد , فالحياة أمامكم فانطلقوا .

"من محبرة الحكيم"

أشارة دراسة حديثة أن إنتاجية موظف القطاع العام في المملكة العربية السعودية لا تتجاوز حوالي 35 % فقط من وقت العمل الأساسي وهي ذات النسبة تقريبا في باقي بلدان الوطن العربي

محبكم / سلطان عبدالرحمن العثيم
مدرب معتمد في التنمية البشرية وتطوير الذاتCCT
عضو المؤسسة الأمريكية للتدريب والتطوير ASTD
sultan@alothaim.com
مدونة نحو القمة
http://sultanalothaim.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق