الشمس حمام العرب..فالبلاد الأخرى كانت لها حمامات خاصة بها نظرا لبرودتها في الشتاء، بينما العربي يواجه الشمس وأشعتها التي تغذيه -كما ثبت علميا- فضلا عن التعرق الصحي، هذه كانت واحدة من وصايا الفاروق عمر رضي الله عنه لجيش المسلمين حين ذهبوا لبلاد العجم وقال:(تمعددوا واخشوشنوا ) نسبة إلى معد بن عدنان فقد كان ذا زهد وتقشف، لذا تقول العرب: تمعدد الغلام: إذا اشتد وغلظ، ومع مايتخيل عن العرب من خشونة وغلظة إلا أن ارتباطهم بالطبيعة من حولهم يكاد يفوق الوصف، بدءا من الشمس والقمر والنجوم،و إحساسهم المرهف وارتباطهم الوثيق العميق في ماحولهم، وسأذكر على سبيل الذكر لا الحصر ثلاث أمثلة: الفراسة والقيافة والريافة.
الفراسة:الفراسة: المهارة في التعرف على بواطن الأمور من ظواهرها، فهو علم يبحث في العلاقة بين الطباع وملامح الوجه [المحيط]، ومن العلوم الحديثة المعاصرة: لغة الجسدBody languageوالذي يعتني بتفسير وتحليل ظاهر تعابير الوجه وحركات الجسد، ومع بالغ التقدير لهذا الفن ولكن شتان بين التعمق في كوامن الأمور وباديها.
ومن أجمل قصص الفراسة: أن الشافعي قال:خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة، حتى كتبتها وجمعتها، ثم لما كان انصرافي مررت في طريقي برجل، وهو محتبي بفناء داره، أزرق العينين، ناتئ الجبهة، سناط فقلت له: هل من منزل؟ قال: نعم، قال الشافعي: وهذا النعت أخبث ما يكون في الفراسة، فأنزلني، فرأيته أكرم رجل، بعث إليَّ بعشاء، وطيب، وعلف لدابتي، وفراش، ولحاف، قال: فجعلت أتقلب الليل، أجمع ما أصنع بهذه الكتب، فلما أصبحت قلت للغلام: أسرج فأسرج، فركبت ومررت عليه، وقلت له: إذا قدمت مكة، ومررت بذي طوى، فاسأل عن منزل محمد بن إدربس الشافعي، فقال: أمولى كنت أنا لأبيك؟ فقلت: لا، قال: فهل كانت لك عندي نعمة؟ فقلت: لا، قال: فأين ما تكلفت لك البارحة؟ قلت: وما هو؟ قال: اشتريت لك طعاماً بدرهمين وأدماً بكذا، وعطراً بثلاث دراهم، وعلفاً لدابتك بدرهمين، وكراء الفراش واللحاف درهمين، قال: فقلت يا غلام أعطه، فهل بقي من شيء؟ قال: نعم كراء المنزل، فإني وسعت عليك، وضيقت على نفسي بتلك الكتب، فقلت له بعد ذلك: هل بقي من شيء؟ قال: لا، قلت: امض، جزاك اللَّه، فما رأيت قط شراً منك. [المقاصد للسخاوي]
فأردت تعرف خيره من شره
وإذا اعتراك الوهم في حال امرئ
ينبيك سرك بالذي في سره
فاسأل ضميرك عن ضمير فؤاده
وإذا سألت عن ارتقاء الفراسة من مجرد إدارك الطبع والتوسم إلى ماهو أعلى، فاعرف أسباب حرمانها قبل معرفة أسباب حصولها، ففي حلية الأولياء لأبي نعيم: “قال ذا النون: حرم الله الزيادة في الدين والإلهام في القلب والفراسة في الخلق على ثلاثة نفر على بخيل بدنياه وسخي بدينه وسيء الخلق مع الله فقال له رجل بخيل بالدنيا عرفناه وسخي بدينه عرفناه صف لنا سيء الخلق مع الله قال يقضي الله قضاء ويمضي قدرا وينفذ علما ويختار لخلقه أمرا فترى صاحب سوء الخلق مع الله مضطربا في ذلك كله غير راض به دائما شكواه من الله إلى خلقه فما ظنك” اهـ.
وفي مجمع الزوائد للهيثمي بإسناد حسن: “”إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم”. ومن أعجب ما قرأت في الفراسة قول شعبة بن الحجاج: إني لأرى قفا الرجل فأعرف ما في قلبه، قيل له: فوجهه، قال تلك صحيفة تقرأ.
القيافة:قيافة الأثر: وهي ليست مجرد قص واقتفاء الأثر لقدم أو خف وحافر، بل لتمييز أوصاف صاحبه، فكانت العرب تميز أثر الأعمى والبصير والشيخ والشاب والرجل والمرأة، والبكر والثيب، وشكله وهيئته، وما إذا كان به مرض أو علة في خلقته، والأعجب أنهم كانوا يعرفون مقصده من أثر خطواته.
والفطرة السليمة السوية قادت العرب في اقتفاء الأثر إلى عين الإيمان بالمولى القدير، (البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدل على اللطيف الخبير).
قيافة البشر:وسميت بذلك لأن صاحبها يتتبع بشرة الإنسان، وجلده، وأعضاءه، وأقدامه،وهي تعتني بكيفية الاستدلال بهيئات أعضاء الشخصين، إلى المشاركة، والاتحاد، في النسب، والولادة، وسائر أحوالها، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم مسرورا. فقال “يا عائشة ! ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي. فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا ررؤسهما. وبدت أقدامهما. فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض“. وقد كتب الشافعي رحمه الله رسالة أسماها: التنقيح في علم القيافة.
الريافة:الريافة:”استنباط الماء من الأرض بواسطة بعض الأمارات الدالة على وجوده فيعرف بعده وقربه بشم التراب أو بالنباتات فيه أو بحركة حيوان وجد فيه لا بد لصاحبه من حس كامل وتخيل شامل وهو من فروع الفراسة من جهة معرفة وجود الماء والهندسة من جهة الحفر واخراجه”. اه[كشف الظنون] ..
الكرم:لا أتحدث هنا عن الكرم كونه أمرا مميزا وسمة محمودة لدى فرد أو حالات في مجتمع العرب، بل لأنها خصلة عرف بها العرب كمجتمع فأثنوا على أهلها وعابوا من لم يتحلى بها، وجعلوه أحد أبرز رموز هويتهم، وقال الحسن بن علي عن الكرم: التبرع بالمعروف قبل السؤال والرأفة بالسائل مع البذل، وقال بعض الحكماء: أصل المحاسن كلها الكرم، وأصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام، وسخاؤها بما تملك على الخاص والعام، وجميع خصال الخير من فروعه.
وإن كانت الناس تسمي الكرم بالحاتمي، فكم من العرب من فاقه في ذلك،ولنأخذ قصة ابنه على سبيل المثال فقد روي أن الأشعث بن قيس أرسل إلى عدي بن حاتم يستعير من قدورا كانت لأبيه حاتم، فملأها مالا وبعث بها إليه، وقال: إنا لا نعيرها فارغة. عندما ذكرتها لأصدقائي قال أحدهم: لم يطلب منه تأمينا عليها، وقال الآخر: الناس في زماننا ينتظرونها أن تعود مليئة ممن يستعيرها، فأين كنا وأين صرنا. قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:لاتستح من عطاء القليل فالحرمان أقل منه.
والسر في الإشارة للكرم ضمن المقال، هو ملمح لطيف أشار إليه الشيخ حمزة يوسف في أمسيته: أن العرب كانت مهيأة بطبعها أن تجود بأغلى مالديها، وماكان لديهم شيء أعز وأغلى من دين الإسلام بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فبادروا بنشره وتبليغه من دافع المحبة والعطاء، وكم من علوم العرب الأخرى وفنونه كعلم النجوم، والحجامة وسأفرد تدوينه مستقلة حول أسرار اللغة العربية في الفصاحة والبلاغة بإذن الله تعالى.
المصادر:
* مفكرتي.. أمسية ثقافية حضرتها للشيخ حمزة يوسف هانسن.
* كشف الظنون في أسماء العلوم والفنون، حاجي خليفة.
* قصص العرب، ابراهيم شمس الدين.
مدونتيسقاف كوم
الفراسة:الفراسة: المهارة في التعرف على بواطن الأمور من ظواهرها، فهو علم يبحث في العلاقة بين الطباع وملامح الوجه [المحيط]، ومن العلوم الحديثة المعاصرة: لغة الجسدBody languageوالذي يعتني بتفسير وتحليل ظاهر تعابير الوجه وحركات الجسد، ومع بالغ التقدير لهذا الفن ولكن شتان بين التعمق في كوامن الأمور وباديها.
ومن أجمل قصص الفراسة: أن الشافعي قال:خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة، حتى كتبتها وجمعتها، ثم لما كان انصرافي مررت في طريقي برجل، وهو محتبي بفناء داره، أزرق العينين، ناتئ الجبهة، سناط فقلت له: هل من منزل؟ قال: نعم، قال الشافعي: وهذا النعت أخبث ما يكون في الفراسة، فأنزلني، فرأيته أكرم رجل، بعث إليَّ بعشاء، وطيب، وعلف لدابتي، وفراش، ولحاف، قال: فجعلت أتقلب الليل، أجمع ما أصنع بهذه الكتب، فلما أصبحت قلت للغلام: أسرج فأسرج، فركبت ومررت عليه، وقلت له: إذا قدمت مكة، ومررت بذي طوى، فاسأل عن منزل محمد بن إدربس الشافعي، فقال: أمولى كنت أنا لأبيك؟ فقلت: لا، قال: فهل كانت لك عندي نعمة؟ فقلت: لا، قال: فأين ما تكلفت لك البارحة؟ قلت: وما هو؟ قال: اشتريت لك طعاماً بدرهمين وأدماً بكذا، وعطراً بثلاث دراهم، وعلفاً لدابتك بدرهمين، وكراء الفراش واللحاف درهمين، قال: فقلت يا غلام أعطه، فهل بقي من شيء؟ قال: نعم كراء المنزل، فإني وسعت عليك، وضيقت على نفسي بتلك الكتب، فقلت له بعد ذلك: هل بقي من شيء؟ قال: لا، قلت: امض، جزاك اللَّه، فما رأيت قط شراً منك. [المقاصد للسخاوي]
فأردت تعرف خيره من شره
وإذا اعتراك الوهم في حال امرئ
ينبيك سرك بالذي في سره
فاسأل ضميرك عن ضمير فؤاده
وإذا سألت عن ارتقاء الفراسة من مجرد إدارك الطبع والتوسم إلى ماهو أعلى، فاعرف أسباب حرمانها قبل معرفة أسباب حصولها، ففي حلية الأولياء لأبي نعيم: “قال ذا النون: حرم الله الزيادة في الدين والإلهام في القلب والفراسة في الخلق على ثلاثة نفر على بخيل بدنياه وسخي بدينه وسيء الخلق مع الله فقال له رجل بخيل بالدنيا عرفناه وسخي بدينه عرفناه صف لنا سيء الخلق مع الله قال يقضي الله قضاء ويمضي قدرا وينفذ علما ويختار لخلقه أمرا فترى صاحب سوء الخلق مع الله مضطربا في ذلك كله غير راض به دائما شكواه من الله إلى خلقه فما ظنك” اهـ.
وفي مجمع الزوائد للهيثمي بإسناد حسن: “”إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم”. ومن أعجب ما قرأت في الفراسة قول شعبة بن الحجاج: إني لأرى قفا الرجل فأعرف ما في قلبه، قيل له: فوجهه، قال تلك صحيفة تقرأ.
القيافة:قيافة الأثر: وهي ليست مجرد قص واقتفاء الأثر لقدم أو خف وحافر، بل لتمييز أوصاف صاحبه، فكانت العرب تميز أثر الأعمى والبصير والشيخ والشاب والرجل والمرأة، والبكر والثيب، وشكله وهيئته، وما إذا كان به مرض أو علة في خلقته، والأعجب أنهم كانوا يعرفون مقصده من أثر خطواته.
والفطرة السليمة السوية قادت العرب في اقتفاء الأثر إلى عين الإيمان بالمولى القدير، (البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدل على اللطيف الخبير).
قيافة البشر:وسميت بذلك لأن صاحبها يتتبع بشرة الإنسان، وجلده، وأعضاءه، وأقدامه،وهي تعتني بكيفية الاستدلال بهيئات أعضاء الشخصين، إلى المشاركة، والاتحاد، في النسب، والولادة، وسائر أحوالها، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم مسرورا. فقال “يا عائشة ! ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي. فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا ررؤسهما. وبدت أقدامهما. فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض“. وقد كتب الشافعي رحمه الله رسالة أسماها: التنقيح في علم القيافة.
الريافة:الريافة:”استنباط الماء من الأرض بواسطة بعض الأمارات الدالة على وجوده فيعرف بعده وقربه بشم التراب أو بالنباتات فيه أو بحركة حيوان وجد فيه لا بد لصاحبه من حس كامل وتخيل شامل وهو من فروع الفراسة من جهة معرفة وجود الماء والهندسة من جهة الحفر واخراجه”. اه[كشف الظنون] ..
الكرم:لا أتحدث هنا عن الكرم كونه أمرا مميزا وسمة محمودة لدى فرد أو حالات في مجتمع العرب، بل لأنها خصلة عرف بها العرب كمجتمع فأثنوا على أهلها وعابوا من لم يتحلى بها، وجعلوه أحد أبرز رموز هويتهم، وقال الحسن بن علي عن الكرم: التبرع بالمعروف قبل السؤال والرأفة بالسائل مع البذل، وقال بعض الحكماء: أصل المحاسن كلها الكرم، وأصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام، وسخاؤها بما تملك على الخاص والعام، وجميع خصال الخير من فروعه.
وإن كانت الناس تسمي الكرم بالحاتمي، فكم من العرب من فاقه في ذلك،ولنأخذ قصة ابنه على سبيل المثال فقد روي أن الأشعث بن قيس أرسل إلى عدي بن حاتم يستعير من قدورا كانت لأبيه حاتم، فملأها مالا وبعث بها إليه، وقال: إنا لا نعيرها فارغة. عندما ذكرتها لأصدقائي قال أحدهم: لم يطلب منه تأمينا عليها، وقال الآخر: الناس في زماننا ينتظرونها أن تعود مليئة ممن يستعيرها، فأين كنا وأين صرنا. قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:لاتستح من عطاء القليل فالحرمان أقل منه.
والسر في الإشارة للكرم ضمن المقال، هو ملمح لطيف أشار إليه الشيخ حمزة يوسف في أمسيته: أن العرب كانت مهيأة بطبعها أن تجود بأغلى مالديها، وماكان لديهم شيء أعز وأغلى من دين الإسلام بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فبادروا بنشره وتبليغه من دافع المحبة والعطاء، وكم من علوم العرب الأخرى وفنونه كعلم النجوم، والحجامة وسأفرد تدوينه مستقلة حول أسرار اللغة العربية في الفصاحة والبلاغة بإذن الله تعالى.
المصادر:
* مفكرتي.. أمسية ثقافية حضرتها للشيخ حمزة يوسف هانسن.
* كشف الظنون في أسماء العلوم والفنون، حاجي خليفة.
* قصص العرب، ابراهيم شمس الدين.
مدونتيسقاف كوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق