السبت، 23 يونيو 2012

قصةالغواص الناجي من الموت في بحر الشعيبة بعد (50) ساعة مازن رواس


حاوره محمد رابع سليمان/ صحيفة مكة الألكترونية

قصة الغواص مازن محمود رواس الذي فُقِدَ في بحر الشعيبة يوم الثلاثاء 2ربيع الأول وبقى على سطح البحر حتى عصر الخميس واستمرت عمليات البحث عنه لثلاثة أيام متوالية ثم وجده صياد في منطقة صروم ببحر جدة على بعد (70)كم من الشعيبة ، قصة تستحق التأمل والدراسة بل والدخول في موسوعة جينيس لأنها من القصص الفريدة والنادرة على مرّ التاريخ ، وقد خصنا الغواص المفقود بعد خروجه من المستشفى بحوار صحفي رغم جهود الكثير من وسائل الإعلام إجراء الحوار لكنه أعتذر للجميع تقديراً لموقفنا مع أهله خلال فترة فقدانه وقد جاء الحوار ممتعاً وشيقاً حفل بوقفات ذرفت فيها الدموع وأجهش الضيف والحضور في البكاء عدة مرات من تأثرهم بما سمعوا والأهوال التي مرت مازن خلال رحلة الفقد ، فإلى ما جاء في تفاصيل الحوار .


(متى بدأت علاقتك بالبحر وهواية الغوص) ؟
علاقتي بالبحر بدأت قبل ثماني سنوات عن طريق بعض الأصدقاء الذين يمارسون هواية الغوص وأحبوا أن أكون معهم في هذه التجربة فحصلت على دورة في الغوص بمركز البحر الأحمر بجدة على يد المدرب ياسر منديل وهو من كبار وأشهر المدربين في جدة وأحببت البحر وصرت صديقاً له رغم أنه غدار لا يعرف الصداقة .

(هل مررت بمواقف خطرة وصعبة خلال رحلاتك في الغوص) ؟
نعم سبق أن حصلت لي حالة مشابهة لما حدث لي مؤخراً قبل أربع سنوات في ينبع ، سحبني التيار بعيد عن المركب وتم العثور عليّ من جانب أصحاب المركب بعد ساعتين فكانت العملية خفيفة من فضل الله تعالى .

(كيف بدأت رحلة معاناتك الأخيرة في الشعيبة) ؟
الرحلة بدأت من مغادرتنا لمساكننا في جدة قبل صلاة الفجر يوم الثلاثاء (2/3/1431) وصلنا بحر الشعيبة الساعة السابعة والنصف في موعد مع صديقنا أبو أصيل حسين فقيها وجهزنا أغراضنا وتحركنا من المرسى الساعة الثامنة صباحاً وكانت غطستنا الأولى في المنطقة التي فقدوني فيها وكانت الرياح جنوبية شمالية وهناك تيار مائي تحت قاع البحر، وتمت الغوصة الأولى بسلام والحمد لله وخرجنا جميعاً سالمين وقضينا وقت الراحة المطلوب بين الغوصتين ، وتوجهنا لموقع آخر غضنا فيه وخرجنا بسلام وكان معنا أبو أصيل الذي يوجهنا ويرشدنا بحكم خبرته الطويلة ، وكان يعطينا فكرة قبل نزولنا البحر، وقبل الغوصة الثالثة كنت متردد أنا وأثنين من الزملاء لدخول الغوصة الثالثة وكنا خمسة غواصين اثنان لم يكن لديهم نية الغوص للمرة الثالثة ونحن الثلاثة كنا مترددين وأخيراً قررنا الغوص للمرة الثالثة ، وطلبنا من أبو أصيل إعادتنا لموقع الغوصة الأولى لأن فيها شعب مرجانية جميلة ، وقبل نزولنا قال لنا خذوا احتياطاتكم من التيار الذي كان موجود في الصباح أثناء الغطسة الأولى ، ونزلنا لكن أعماق البحر عبارة عن متاهة القاع يشبه بعضه ، وتظن أنك قريب من زملاءك لكن إذا غاب بصرك في أقل من نصف دقيقة يمكن يسحبك التيار مئات الأمتار، وهذا ما حدث معي عند نزولنا كنت أرى زملائي ونحن دائماً لا نكون مقتربين من بعضنا بشكل لصيق لابد من ترك مسافة بيننا ومع التصوير والإنشغال بالأحياء البحرية والشعب المرجانية ، فجأة افتقدت الزملاء فواصلت هوايتى وحدي وقبل إنتهاء فترة الغوص بنصف ساعة قررت أصعد على السطح لأن الوقت متأخر فصعدت وتفاجأت بأني على بعد أربعة كيلو أو يزيد قليلاً على الموقع الذي كنا فيه فالتيار سحبني من قاع البحر عكس الهواء وصعدت على السطح وأنا سليم ، وكان من المستحيل السباحة لموقع البوت فحاولت أستخدم الصوت لكن إتجاه الريح كان عكسي بدلاً من إيصال صوتي لجهة زملائي يسحبه للخلف فبدأت أستعمل الإشارات باليد وبعض المعدات التي كانت معي لكن بعد المسافة لم يسمح لهم برؤية مكاني فبقيت طافياً على سطح الماء أنتظر أن يأتوني أو أحد من المتنزهين أو يبلغوا مركز سلاح الحدود حتى يشاهدوني وكان في يدي ساعة عادية قابلة للغطس ،فأنا ظهرت على سطح الماء الساعة الثالثة والربع ظهر الثلاثاء ، وحاولت ألفت نظرهم حتى الساعة الخامسة والنصف وهم كانوا يجرون عملية البحث في أعماق البحر معتقدين أن شيئاً أعاقني في المنطقة التي غطسنا فيها وهذا شيء معقول بالنسبة لليوم الأول ، وبعد غروب الشمس أنقطع أملى في اليوم الأول لأن في النهار لم تحدث الرؤية ومن باب أولى في الليل أن لا يروني ، فقضيت الليلة كاملة في ظلمات البحر وسحبني التيار من أمام محطة التحلية حتى وصلت مركز الشعيبة المسدودة أمام قرية القطان الترفيهية وكنت أرى أضواء المنتزه وكلما حاولت السباحة تجاه المنتزه يسحبنى التيار للغرب وبلغة أهل البحر الغرب يعنى الأعماق ، لكن الله ستر ولطف عليّ في تلك الليلة وقضيتها طافئ على سطح الماء ولم أذق طعم النوم لأن العقل والجسم مستنفر كاملاً على الوضع ، وعندما أصبحت صباح الأربعاء عاد إليّ الأمل من جديد بأن أحد الأخوان الذين كنت معهم أو المتنزهين يصادف أن يرو مكاني فحاولت بالصوت والإشارات ومرّ متنزهين وشاهدتهم بعيدين عنى بمسافة ولم يكن هناك مجال لأن يسمعني أحد ، وبعد الظهر بدأ البحث بالطائرات وسمعت صوت طيران الدفاع المدني وحوامات خفر السواحل وبعض الزوارق لكن للأسف لم يحالفهم الحظ أن يرو مكاني ومضى ذلك اليوم وأنا أحاول أن ألفت نظر أحد لكن الله لم يكتب هذا الشيء ، واضطررت أن أمضى ليلة ثانية لم أفكر في العودة لقاع البحر رغم توفر القليل من الأكسجين معي ، لكن من العبث نزولي بكمية قليلة من الأكسجين ومرّ علىّ مساء الأربعاء ليلة الخميس ، وبعد الساعة العاشرة مساءً ، مرّ هواء ورياح قوية سحبتني من الشعيبة المسدودة باتجاه الشمال الغربي أوائل كورنيش جدة، طبعاً أنا في الظلام لا أحيط بما يحدث حولي ، لكن أصبحت صباح الخميس وأنا في المنطقة لا أرى شيء ، ومرت من حولي بعض الأبوات على مسافة بعيدة لكن إرادة الله حالت دون مشاهدتهم لي واستمرت معاناتي وأنا أردد الأدعية وسألت الله بصالح عملي أن ينقذني من الغرق ولم ينقطع أملي في الله .

(هل تناولت شيء من الطعام والشراب خلال الفترة) ؟
لم أتناول شيء من الطعام أو الشراب وحافظت على أداء الصلوات في أوقاتها ولم ينقطع لساني من ذكر الله ، وكنت أفكر في والدي وزوجتي وبناتي الأربع كيف سيستقبلون خبر موتي لو كتب الله وفاتي ، ثم أتذكر أن الله على كل شيء قدير وأردد ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) .

(ماذا كان يدور في ذهنك في تلك اللحظات) ؟
أكثر ما كان يدور في ذهني ذكر الله وترديد الآيات القرآنية ونحن أساساً قبل الغوص من فضل الله نقرأ الدعاء ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ثم نسمى الله وننزل البحر .
ويواصل مازن رواية القصة بعد دخول مساء الثلاثاء وهو اليوم الأول وكنت وحيداً في البحر بدأت أتذكر الأدعية والآيات القرآنية التي فيها تحصين وحماية للإنسان وأردد آية الكرسي وقول يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف وتذكرت دعاء نبي الله ذا النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) والله سبحانه وتعالى أكرمني بكرم لم يكرمه أحد في نظري ، طوال هذه الفترة لم يقربني شيء من هوام ووحوش البحر وأسماك القرش طيلة (50)ساعة وصباح الخميس كنت على مشارف كورنيش جدة وتجاوزت مركز (طفية) وبعد الظهر سحبنى التيار وتجاوزت مركز(صُروم) بعشرة كيلو وكنت مجهد جداً وأستلقيت على ظهري وقد دخل في نفسي اليأس لأن الليل بقى على دخوله ثلاث ساعات ونصف ، وقلت في نفسي يبدوا أنها ليلية ثالثة سأقضيها وسط البحر والله أعلم أعيش أو أموت ، وأثناء ذلك سمعت صوت محرك بوت من الأبوات رفعت رأسي من الماء وإذا ببوت لأحد الصيادين على مسافة كيلو تقريباً فاعتبرته أمل جديد كتبه الله لي ، وبدأت أصيح بأعلى صوتي وأشير بيدي وفى هذه اللحظة سمع الأخوة الراكبين معه في القارب فأشاروا إليه بوجود شيء فى هذه المنطقة فاتجه نحوى حتى أقتربوا مني فقلت لهم أنا تائه في البحر من يومين ونصف ،فقاموا بمساعدتي جزاهم الله خيراً والأخ صاحب المركب اسمه (وحيد سالم) لن أنسى فضله بعد الله ما بقيت من العمر لأنه سبب ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله وأسأل أن يجزيه عني كل خير وأنقذني وأوصلني لأقرب مركز في كورنيش جدة وهو(صُروم) وبدأت عملية الإنقاذ فنقلوني لمستشفى الملك عبد العزيز وأخبروا أهلي وأصدقائي بنجاتي وكانت فرحة كبيرة للأهل والأصدقاء والأحباب بعضهم لم يصدق الخبر، وأسأل الله أن يعفو عني وعن الجميع ويتولانا برحمته .

(متى فقدت الأمل في الحياة خلال هذه الرحلة المؤلمة) ؟
نعم بعد ظهر يوم الخميس (4/3/1431)وصل اليأس في نفسي نسبة (90%) لأني أمضيت يومين ونصف وكل المحاولات فاتت لكن قدرة المولى تبارك وتعالى جعل الفرج في آخر لحظة بعد يأس رغم أنى لم أقنط من رحمة الله ، وكان أمر الله جرى .

(من أول من تحدثت معه بعد إنقاذك وعودة الأمل للحياة من جديد) ؟
اتصلت مباشرة بهاتف منزلي من الموقع الذي وجدوني فيه ، أهلي وزوجتي وبناتي لم يكونوا مصدقين أنني على الهاتف ، فكان كل واحد يعطى السماعة للآخر غير مصدقين هل هذا مازن أو(لا) سكت ثم أجهش في البكاء وأبكاني وأبكى الجالسين من زملاءه ، ويعود قائلاً رفعت صوتي بانفعال وقلت أعطوني أم عيالي ، فتحدثت معها وعرفت صوتي ، وقلت لها أنا بخير وجدني أحد الصيادين وأنا في طريقي للمستشفى .

(قلت له كيف كانت لحظة أول لقاء مع أسرتك) ؟
سكت وذرفت دموعه وقال الله أكبر، والله ما كنت أتوقع أن أرى اسرتي مرة ثانية لكن فضل الله كان عليّ عظيما ، وكان أول من التقيت بهم من اسرتي أخي خالد وأبناء أخواني وأخواتي في مستشفى الملك عبد العزيز بقيت ساعتين وأهلي طلبوا نقلى لمستشفى المركز الطبى الدولي حتى يتواجدوا بجواري بشكل أفضل من المستشفى العام .

(هل تعرضت لإصابات بسبب كثرة السباحة على الماء) ؟
بفضل الله كانت اصابات في الجزء السفلى من الجسم ما تحت الركبة إلى الأقدام أصابها تقرحات في الجسم بسبب ملابس البحر والماء والملح إضافة إلى الحركة طوال (49) ساعة أدت إلى هذه الأجراح والتسلخات ولكنها في مقياس الكوارث لا تعتبر شيئاً والحمد لله .
(بعد هذه التجربة وقد أكرمك الله بالنجاة من موت محقق هل ستعود للبحر) ؟
لا أخفيك سراً مع هذه التجربة الصعبة لم أكره البحر ، وإذا سألتني عن رأيي الشخصي أقول عندي رغبة للعودة ولكن إكراماً للوالدين والأهل والأحباب سأمتنع ولن أعود للغوص ثانية إن شاء الله ، ثم ظهر عليه التأثر وأجهش في البكاء بحرقة .

(ما هي رسالتك لزملائك الغواصين) ؟
أنصح الشباب بأخذ الحيطة والحذر والعناية بمعداتهم وإذا كانت أوضاع البحر فيها تيارات أو موج عالي الأفضل إلغاء الرحلة من المغامرة ، كذلك الإهتمام بأدوات السلامة وأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر .

(ذكرت أنك شاهدت الطائرات والحوامات بعد يوم من فقدانك ما هى رسالتك للعاملين في مجال الإنقاذ) ؟
أعتقد أن عمليات البحث والإنقاذ تحتاج لتركيز أكثر ودقة في المسح والهدوء والإستعانة بالتقنيات العصرية في عمليات البحث من الكاميرات الحرارية لأنها تختصر الجهد والوقت وعدم العجلة ، وعمليات البحث الهادئة تؤدى لنتائج طيبة لأن رحلتي مريرة وشاهدت الطائرات أكثر من مرة تحوم حولي ولم يشاهدوني .

(هل كان البوت الذي أستقليتموه ينقصه وسائل السلامة) ؟
هذه هي التجهيزات التي كنا نذهب ونغوص بها على مدى ثماني سنوات وأحياناً اقل منها ولكن البحر سبحان الله أحواله عجيبه ، ومهما كانت الخبرة وحتى بأدوات السلامة إذا كتب الله لك الضياع فلا مفر .

(بعض أصدقاءك ذكروا أن أعمالك الخيرية دفع الله بها عنك السوء وقد ثبت في الحديث (الصدقة تدفع البلاء) و(صنائع المعروف تقي مصارع السوء) ما نوع الأعمال الخيرية التي تقوم بها) ؟
لا أحب أن أتحدث عن أي عمل خيري أقوم به هذه أعمال بيني وبين الله ، وأعتقد أن الله سبحانه وتعالى أنجاني بدعوة الضعفاء والأرامل والحمد لله كل ما نعمله واجب علينا والحمد لله على كل حال ، ووالدي جزاه الله خيراً يقوم ببعض الأعمال الخيرية وأنا أرافقه وأحاول تقليده فيها ؟

(هل من كلمة أخيرة)
الكلمة الأولى والأخيرة أحمد الله على ما كتب وأسأل الله أن يجعل ما أصابني تمحيص وتكفير للذنوب ويجزى عني جميع الأهل والأصدقاء والأحباب خير الجزاء ، وأخص بالشكر والدعاء للأخ أبو أصيل صاحب المركب وجميع أفراد اسرتي وأصدقائي من الغواصين والزملاء الذين بحثوا عنى بدون توانى يومين ونصف ، وهذا يدل أن هذا الوطن وهذه الأمة فيها خير لأن بعضهم جاء بالسمعة وبعضهم جاؤوا إكراماً لأبو أصيل كوني فقدت معه ،وأخص بالشكر أحمد البابوري والمدرب أحمد القثامي وياسر تنكر وخالد با جوده وعماد مدخلى وابن أخي محمود رواس وعثمان أبوخطاب وريان ووليد رفيع وتركي رياش وماهر نجار ومحمد عسيرى ، وأسأل الله أن يجعلنا من التوابين ومن المتطهرين ، كما اشكر صحيفة (مكة الألكترونية) على وقوفها بجانبي ومباشرتها القضية ميدانياً من لحظة وصول النبأ ونقلت الخبر للناس الذين رفعوا أكف الضراعة إلى الله بالدعاء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق